خبراء نفسيون يحذّرون من تداعيات إنفجار بيروت: تخوّف من الإنتحار والكآبة
الغيوم السوداء والآثار الرمادية التي لفّت سماء وأرض بيروت إثر الإنفجار الدامي عشية الثلاثاء الماضي تزداد سواداً وضبابية في كل تفصيل جديد يظهرعلى الساحة. اللبنانيون اليوم في نكبة إنسانية وإقتصادية وأمنية، وتداعيات الكارثة النفسية والإجتماعية لم تظهر بعد، حيث كلّ الإهتمامات لا زالت محصورة بإنقاذ المصابين ولملمة الزجاج المثناثر وما خلّفه الدمار الناتج عن إهمال وتقاعس وفساد بإدارة شؤون المرفأ والبلاد. خبراء نفسيون أكدوّا لـ “أحوال” أنّ للصدمة آثاراً مدمّرة على الصحة العقلية والجسدية والعاطفية قد لا تظهر قريباً، وسيعاني ضحايا الإنفجار من إضطرابات نفسية قد تكون بمعظمها طويلة الأمد. الخبراء أيضاً أبدوا تخوّفاً من إزدياد نسبة الإنتحار والجرائم بظلّ الأزمات الخانقة التي تحيط بالمواطنين من كلّ حدب وصوب.
التبعات النفسية على المدى البعيد: قلق وإحباط وإنتحار
عن التداعيات النفسية على ضحايا الإنفجار وأهاليهم والمواطنين المتضرّرين، وفي إتصال مع “أحوال” أشارت البروفيسورة الأستاذة في علم النفس “رشا تدمري” أنّه من المحتمل جداً أن يُصاب الأشخاص الذين تعرضوا بشكل مباشر أو غير مباشر للإنفجار، بما يُسمى بإضطراب ما بعد الصدمة، والذي تبدأ أعراضه بالظهور بعد فترة من الوقت، “ولكن من المؤكد حالياً أنّ جميع اللبنانيين يعانون من إضطرابات القلق والتوتر”.
وبظلّ تتابع الأحداث السلبية في مجتمعنا اللبناني والإحباطات الكثيرة من أزمات إقتصادية إلى أزمة صحية ثم فاجعة وكارثة إنسانية، التداعيات النفسية ستكون قاسية بحسب “تدمري”، حيث ستظهر التبعات النفسية بشكل مباشر أو على المدى البعيد، وستبدأ الإضطرابات والشعور بالقلق والتوتر، وقد تصل الأمور إلى حالة من الإكتئاب، فيما قد تؤدّي بعض الحالات إلى نشأة الميول الإنتحارية، وهذا ما بدأنا نشهده في مجتمعنا بشكل بارز في الفترة الأخيرة.
كيفية التعاطي مع الكارثة
نوعان هما الأبرز بين ردود الفعل لدى المجتمع اللبناني أشارت إليهما “رشا تدمري”خلال حديثها لـ “أحوال”: البعض يلجأ إلى السخرية والنكات وهي وسيلة تنفيسية للمكبوتات الدفينة ووسيلة للتخفيف من شدة التوتّر، فيما يعاني البعض الآخر من أعراض إنفعالية أبرزها الضغوط النفسية وأعراض إنسحابية يتجسّد أبرزها في الإنطواء على الذات والإحباط وغياب الإندفاع مع غياب الشعور بالرضا، مما يدفع بالكثيرين إلى خوض تجربة الهجرة.
وعن الحالات التي تستوجب إستشارة نفسية، قالت تدمري: إذا ظهرت لدى الفرد أعراض مثل إضطرابات النوم والاكل، وصعوبة في الإنتباه والتركيز، وراودته كوابيس مزعجة واجتراراً للأفكار السلبية كتوقّع حدوث حدث صادم في أي لحظة، وقام بعزل نفسه عن المواقف والأشخاص الذين يذكّرونه بالموقف الصادم أيّ الإنفجار، وإذا حصل تشوّش في الذاكرة_ وتحديدا لأحداث الحدث الصدمي، كل هذه الأعراض اذا إستمرت لأكثر من أسبوعين يصبح من الضروري مراجعة أخصائي نفسي.
وعن إمكانية الجزم عمّا إذا كان أغلب اللبنانيين اليوم أصبحوا مهدّدين بالتعرّض لأمراض نفسية وعصبية جرّاء كثرة الأزمات وخاصة الكارثة الأخيرة، رفضت “تدمري نظرية تعميم المرض النفسي على كل الاشخاص، “ولكن حكماً هناك تأثير لهذه الأحداث على الصحة النفسية للفرد، قد تظهر على مستوى التوافق مع الذات أو التوافق مع الآخرين أو على مستوى الكفاءة والإنتاجية وهي كلها مظاهرمهدّدة للصحة النفسية.”
هذا، وأكدّت تدمري إلى أنّ الأشخاص الذين يعانون عادة من أمراض نفسية هم الأشخاص الذين لديهم إستعداد نفسي لذلك، أيّ الأشخاص الذين عاشوا ظروفاً صعبة في طفولتهم أو مرّوا خلال مراحل حياتهم السابقة بأزمات جعلت بنيتهم النفسية هشّة ومعرّضة للإنهيار أمام أيّ أزمة.
هل سيواجه ضحايا إنفجار بيروت مصير ضحايا كارثة تشيرنوبيل؟
بعد عقود على كارثة تشيرنوبيل النوّوية، قدّر تقرير أعده باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا أنّ ملايين الأشخاص كانوا لا يزالون يعانون من مشاكل صحية عقلية ونفسية مرتبطة بحادث 1986. ونشر عام 2013 الباحثان “جوناثان ساميت” و”سوني باتيل” من كلية كيك للطب في جامعة جنوب كاليفورنيا تقريرهما عن العواقب الصحية الطويلة المدى لتشيرنوبيل في 26 أبريل، الذكرى السنوية الـ 27 للحدث حينها، حيث كشفت أبحاثهما عن تأثر ما يصل إلى 10 ملايين شخصاً بالكارثة وعواقبها. هذا التقرير سبقه تقرير آخر أُعّد عام 2011 بعنوان “العواقب النفسية المستقبلبة لكارثة تشيرنوبيل” كشف عن دلائل حيّة على عواقب نفسية وعصبية كبيرة تتضمّن دلالات عن تدني نوعية حياة الرفاهية، وسيطرة القلق والإكتئاب ومتلازمات سريرية معينة، مثل إضطراب ما بعد الصدمة. وإعتبر العديد من الخبراء أنّ لكارثة تشيرنوبيل والقصف الذري لهيروشيما وناغازاكي، وحادث جزيرة ثري مايل، وبوبال، تأثيراً على الصحة العقلية يضاهي أكبر مشكلة صحيّة سببّتها هذه الحوادث. النتائج التي تم التبليغ عنها خلال فترة 20 عامًا بعد حادثة تشيرنوبيل كشفت عن الأعراض المرتبطة بالتوتر، والآثار المدمّرة لعمل الدماغ، والضعف الإدراكي والنفسي. فيما يتعلق بالأعراض المرتبطة بالإجهاد النفسي، كشفت معدّلات الإكتئاب والقلق (خاصة أعراض الإجهاد اللاحق للصدمة) والأعراض الجسدية غير المبررة طبياً أعلى بمرتين إلى أربع مرات عند سكان تشرنوبيل مقارنة بغيرهم. بالمقابل، وفي ما يتعلّق بنمو دماغ الأطفال الذين كانوا في الرحم أو صغارًا جدًا عند وقوع الحادث، لم تجد منظمة الصحة العالمية أو الباحثون حتى اليوم أيّ إرتباط مهم بين التعرّض للإشعاع وضعف الإدراك، فيما كشفت دراسة عن إرتفاع معدّل الإنتحار بشكل كبير. تجدر الإشارة أنّه عند حدوث أيّ حادثة مدمّرة أو كارثة جيوفيزيائية أو هيدرولوجية أو مناخية أو جوية أو بيلوجية تطال مجتمعاً بأكمله، من الطبيعي بحسب خبراء النفس إصابة المواطنين بعوارض الصدمة. ولخصّ الخبراء عوارض الصدمة النفسية بالتالي:
- الإنكار أو الكفر.
- الإرتباك وصعوبة التركيز.
- الغضب وتقلّب المزاج.
- القلق والخوف.
- الشعور بالذنب والعار ولوم الذات.
- العزلة عن الآخرين.
- الشعور بالحزن أو اليأس.
- الشعور بالإنفصال عن الواقع أو التخدير. لطيفة الحسنية